البضائع الأجنبية من مناطق خارجة عن سيطرة النظام “الفار” إلى كافة الأسواق السورية.. فهل سيصمد المنتج المحلي أمام هذا الانتشار؟

المنبر الحر – دمشق | لينا فرهودة
في سابقة لم يألفها السوريون، تمدّدت البضائع الأجنبية، ومنها التركية، في الأسواق السورية، حتى وصلت إلى حد الإغراق، بعدما كانت مقتصرة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام البائد، إضافة إلى المناطق الحدودية مع لبنان، وفقاً لموقع “العربي الجديد”.
قال عضو مجلس إدارة غرفة تجارة حلب “سمير كوسان”: “لا أرى أي مشكلة في ذلك خلال الفترة الحالية، بل على العكس تماماً فإن وجود هذه البضائع والماركات الغربية في الأسواق سيحفّز المنتِج المحلي على تعزيز وجوده في الأسواق”، مبيناً أن تلك البضائع تسرّبت إلى الأسواق من محافظة إدلب التي يوجد فيها الكثير من البضائع ومن كافة الأصناف والأنواع، نتيجة عدم وجود قيود على الاستيراد، كما كان الحال في المحافظات الأخرى.
وتمنّى “كوسان” أن تتوحد منافذ التوريد خلال الفترة القادمة، وأن تكون هناك ضوابط صحيحة لعملية الاستيراد من قبل الحكومة الجديدة التي يُطلب منها أن تكون ذات فكر اقتصادي جديد يسمح بحرّية التجارة، وإدخال كافة أنواع السلع التي تحتاجها الأسواق.
ولفت “كوسان” إلى أنه يجب مع بداية السنة الجديدة أن تصدر قوانين تسمح للصناعي والتاجر والحرفي بأن يمارس عمله بدون قيود أو ضوابط ظالمة، وأن يُفسَح المجال لزيادة عدد التجار والصناعيين لخلق منافسةٍ شريفة، خاصة أن فريق النظام المخلوع فرض في السابق آليات محددة للعمل ومن اختياره، وسمح لأشخاص محددين بالتجارة والاستيراد، وهذا ما قيّد رؤوس الأموال ومنع التجار من المنافسة.
أما حول المخاوف على الصناعة المحلية، ردّ “كوسان” أن تلك الصناعة كانت تستنزف جيوب المواطنين نتيجة ارتفاع أسعارها المبالغ فيه، والواقع اليوم برأيه يتطلب الصراحة مع النفس، حيث إن السوق السورية كانت بحاجة إلى دخول سلع جديدة، فمن حق المستهلك بقانون الأسواق أن يتعرّف على كافة المنتجات وأن يختار ما هو الأنسب له.
وطالب “كوسان” الصناعيين والتجار بأن يخفّضوا هوامش أرباحهم خلال الفترة الحالية، ولو بنسبة 20% من بضائعهم الموجودة لديهم، وألا يتذرّعوا بالتكاليف السابقة، وذلك لضمان استمرارهم في الأسواق، فخسارة بسيطة ومؤقتة خير من خسارة دائمة، على حد تعبيره.
بدوره، طالب “محمد الحلاق” نائب رئيس غرفة تجارة دمشق التاجر بألا يعتبر أن الكلفة السابقة هي أساس عملية التسعير، لأن ذلك سيؤدي إلى إخراجه من السوق بشكل كامل، بل يجب اعتبار الكلفة الجديدة هي الكلفة الحقيقية، حتى لو أدى ذلك إلى خسارة لفترة قصيرة من الزمن مقابل الحفاظ على مكانة المنتَج السوري في الأسواق.
واعتبر “الحلاق” أن إغراق الأسواق السورية بالبضائع والماركات الأجنبية هو حالة صحية وغير صحية في آن واحد، فمن جهة تخلق تنافسية مع المنتَج المحلي الذي سيسعى لتطوير نفسه، وغير صحية كونها دخلت في فترة متسارعة جداً، حيث لم يكن المنتِج المحلي قادراً على تأمين وسائل ومواد الإنتاج وسواها التي من شأنها تعزيز تنافسيته.
في هذا السياق، أكد “الحلاق” ضرورة الوقوف على عدة أمور للوصول إلى قوانين سوق صحيحة، إذ يجب معرفة معنى اقتصاد السوق الحر الذي يتطلب تعديل المنظومة الفكرية والعملية لدى الفريق الاقتصادي، وذلك بدلاً من اقتصاد سوق احتكار القلة الذي كان متبعاً في السابق، فالكل اليوم قادر على المنافسة، والبقاء سيكون للأقوى القادر على الاستجابة للأوضاع الحالية بالسرعة القصوى.
من جهته، “سامر شولح” عضو غرفة صناعة دمشق وريفها أشار إلى أن معظم البضائع التي دخلت إلى الأسواق السورية كانت موجودة بالأصل في المنطقة الحرة بإدلب، معتقداً أن وجودها سيكون مؤقتاً ريثما تنفد من الأسواق.
وأكد “شولح” أن لتلك البضائع تأثيراً سلبياً كبيراً على شركات تصنيع البسكوت والشوكولا والعلكة وغير ذلك، على اعتبار أنه يوجد منتجات تركية مشابهة أقل سعراً، بينما لا تؤثر على صناعات أخرى.
واعتبر “شولح” أن الحل يتمثل في توفير المواد الأولية أمام الصناعيين السوريين ومدخلات الإنتاج من دون فرض رسوم جمركية، وذلك ليكون المنتج السوري منافساً لأي بضاعة غريبة تدخل الأسواق، خاصة أن اليد العاملة السورية أرخص مما هو موجود في بقية الدول، وهذا الأمر يعتبر عامل قوة يجب استغلاله خلال الفترات القادمة.
أما من وجهة نظر اقتصادية، أكدت الخبيرة الاقتصادية الأكاديمية “نسرين زريق” أن الأسواق امتلأت بالفعل بالمنتجات الأجنبية إلى جانب المنتج الوطني الذي ما زال سعره أقل من الأجنبي، وقد ينافسه في الجودة في بعض الأحيان، وذلك باستثناء الألبسة السورية التي تمر صناعتها بضغوط كبيرة لتخفيض أسعارها مقارنة بالنسيج التركي.
واعتبرت الخبيرة أن الاقتصاد الحر يُبنى على المنافسة ويترك الخيار للمواطن ليختار ما يناسب تطلعه وقدرته المالية إن توفرت.
ورأت “زريق” أن الظروف الحالية الخانقة للسيولة لن تدفع الكثيرين ليذهبوا باتجاه المنتج الأجنبي كونه أكثر سعراً، حيث لم تصل القدرة الشرائية للناس إلى مستويات مقبولة حتى يتاح لهم الاختيار، وبذلك يكون للمنتج الأجنبي زبائنه إن لم يؤثر وجوده على مخزون القطع الأجنبي، كما للمنتج الوطني زبائنه أيضاً، مع الإشارة إلى عجز الكثير من الناس عن شرائه في الظروف الاستثنائية الحالية.
واعتبرت “زريق” أنه في حال لم تتسارع عجلة الإنتاج وعجلة الرواتب وعجلة السيولة، فلن يتغير شيء على الأسواق سوى غلاء الأسعار وحرية التسعير من مكان إلى آخر من دون ضوابط، وحتى لو ارتفعت القدرة الشرائية للناس مستقبلاً، سواء بالليرة السورية أو بدونها، فقد يسبب ذلك ضغطاً على المنتج الوطني.
____________________
www.almenberalhor.com