لماذا تغير شكل وعقلية وأداء ومفاهيم قائد العمليات العسكرية في سوريا “أحمد الشرع”؟

المنبر الحر – عمان |
بينما يُجري قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع٬ مقابلات مع وسائل إعلام عالمية، ويستقبل وفوداً دولية في القصر الجمهوري في دمشق، ويلتقط صوراً وسط الناس في الأماكن الشعبية، ويدخل إلى المسجد الأموي تحت عيون الكاميرات.
يلاحظ من خلال الصور والتحولات الملحوظة في الصورة العامة للقيادي السوري الذي يتولى إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية، بعد سقوط نظام المخلوع بشار الأسد.
في الواقع، لم يكن تحول أحمد الشرع من الجولاني “قائد لهيئة تحرير الشام” إلى سياسي معارض أمراً حديثاً، بل تطور بعناية على مر السنين، وكان واضحاً لا في تصريحاته العامة ومقابلاته الدولية فحسب، بل أيضاً في مظهره المتغير.
فقد تشكل التحولات التدريجية في صورة الشرع حالة نموذجية للدراسة من قبل المختصين في التسويق السياسي والباحثين في أسس صناعة الصورة العامة أو “العلامة التجارية الفارقة” للسياسيين.
على مواقع التواصل، يتسابق المعلقون على قياس التغييرات في طول لحية الشرع وهندامه وطريقة كلامه. ومع ذلك، فإن هذا التحول ليس ظاهرة جديدة أو فريدة من نوعها.
نرصد تطور الصورة
وإذا تتبعنا أول صورة للشرع فسنجد أنها تعود إلى عام 2006 بعد اعتقاله من قبل القوات الأمريكية في العراق عندما ذهب لمقاتلة الاحتلال الأمريكي.
ويَظهر فيها أحمد الشرع وهو شاب حليق اللحية ذو شعر قصير يبلغ من العمر 24 عاما. ولا تعبر هذه الصورة بوضوح عن شخصية الشرع لأنه كان معتقلا ويخضع لقانون السجان في الشكل والمظهر.
أما الصورة الثانية والتي ظهر بها٬ فكانت في لقائه مع الإعلامي في قناة الجزيرة أحمد منصور٬ وكان ذلك أول ظهور إعلامي له عام 2015 ٬
وظهر فيها باسمه الحركي أبو محمد الجولاني٬ ولكنه لم يظهر بوجهه، إنما بظهره وكان يغطي شعره٬ مما جعل معرفته غير واضحة.
وكان وكان الشرع (الجولاني حينها) أميرا لجبهة النصرة٬ وقد انفصل عن زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي في 9 نيسان/ أبريل 2013 ٬ بعد رفضه الاندماج معه فيما عرف “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.
فك الارتباط بالقاعدة
وفي عام 2016 ظهر الجولاني لأول مرة في فيديو مصور كاشفاً عن وجهه، وهو يرتدي زيا عسكريا٬ رابطا على رأسه عمامة بيضاء تتدلى منها ذؤابة.
وفي هذا الفيديو أعلن الجولاني مبايعة زعيم القاعدة أيمن الظواهري، وقال إنه عمل وفق توجيهاته حتى تموز/ يوليو 2016، حين أعلن فك ارتباط تنظيمه بالقاعدة وتغيير اسمه إلى “جبهة فتح الشام” ثم “هيئة تحرير الشام” في عام 2017.
وأوضح الشرع أن فك الارتباط جاء تلبية لرغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي، وبهدف إقامة دين الله وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين الناس، والتوحد مع الفصائل المعارضة لرص صفوف المجاهدين وتحرير أرض الشام والقضاء على النظام وأعوانه.
وأضاف الشرع أن الهدف هو حماية الجهاد الشامي والاستمرار فيه واعتماد كافة الوسائل الشرعية المعينة على ذلك، والسعي لخدمة المسلمين وتخفيف معاناتهم، وتحقيق الأمن والاستقرار والحياة الكريمة لعامة الناس.
وبشأن الخلافات العقدية بين “الجبهة” و”تنظيم الدولة”، قال الشرع إنهم يرفضون الخلافة التي يعلنها تنظيم الدولة ويعتبرونها غير شرعية لأنها أقيمت على أسس غير شرعية.
وبعد ذلك بات ظهور الشرع بوجهه أمرا مألوفا حيث كانت تدير هيئة تحرير الشام في المناطق المحررة شمال سوريا٬ وكان ظهوره بزي عسكري ويربط عمامة على رأسه باللون الأبيض أو الأسود.
تأسيس حكومة الإنقاذ بإدلب
في عام 2017 وبعد تأسيس حكومة الإنقاذ السورية في مناطق حكم هيئة تحرير الشام بمحافظة إدلب شمال غرب سوريا، تغير الشكل الذي كان يظهر به الشرع٬ فبدأ يظهر بالزي العسكري مع قبعة عسكرية.
وفي هذا التوقيت نالت مسودة مبادرة “الإدارة المدنية عالية المستوى في مناطق سوريا المحررة” موافقة هيئة تحرير الشام بعد عرضها عليه وعلى عدة جهات عسكرية ومدنية أخرى، بهدف ضم أكبر عدد من مكونات المجتمع إلى الإدارة المدنية.
وعملت حكومة الإنقاذ السورية كدولة، تضمنت رئيس وزراء ووزارات وإدارات محلية تشرف على قطاعات مثل التعليم والصحة وإعادة الإعمار.
وفي هذه الفترة انخرط الشرع في أنشطة تقربه من الجمهور، حيث زار مخيمات النازحين، وحضر الفعاليات، وأشرف على جهود الإغاثة، خاصة خلال الأزمات مثل زلازل عام 2023.
وسلطت هيئة تحرير الشام الضوء على الإنجازات في الحكم والبنية التحتية لإضفاء الشرعية على حكمها وإظهار قدرتها على توفير الاستقرار والخدمات. وظل ظهوره بالزي العسكري مع ارتداء القبعة العسكرية أو بدونها
“ردع العدوان” والاسم الحقيقي
وحافظ الشرع على زيه العسكري بعد إطلاق فصائل المعارضة السورية المنتشرة في محافظة إدلب، والتي كانت منضوية سابقاً تحت غرفة عمليات “الفتح المبين”، عملية “ردع العدوان” في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
شكلت الفصائل ما يسمى “إدارة العمليات العسكرية” التي ضمت هيئة تحرير الشام، وحركة أحرار الشام، والجبهة الوطنية للتحرير، ومجموعات من الحزب التركستاني.
تم تعيين الشرع قائداً عاماً لإدارة العمليات العسكرية. ومع تطور العمليات وتمكن فصائل المعارضة من الاستيلاء على إدلب ثم حلب والتوغل في حماة، دعا الشرع المقاتلين إلى التحلي بأخلاق النصر والالتزام بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والقيم الإنسانية.
وفي بيان له، قال الشرع: “نحن اليوم نواصل الليل بالنهار من أجل سوريا، المستقبل لسوريا التي ستكون بإذن الله بلداً للعدالة والكرامة والحرية لكل السوريين”.
وبعد نجاح الفصائل في دخول العاصمة السورية دمشق٬ كشف الشرع للعالم عن أسمه الحقيقي٬ وهو أحمد الشرع.
البدلة ورابطة العنق
كما اتسمت هذه الفترة بتغيير في زي الشرع الذي خلع البدلة العسكرية وارتدى البدلة المدنية الرسمية وإن كانت بدون رابطة عنق.
إلا أنه يوم الأحد، بتاريخ 2024/12/22، ارتدى الشرع رابطة عنق أثناء استقباله وزير الخارجية التركي هاكان فيدان٬ والرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط.
“قيادة سوريا بعقلية الدولة”
أشار الشرع إلى أن سوريا تواجه مأساة حقيقية تتطلب خططًا مدروسة لمعالجتها. وأكد على ضرورة جمع البيانات وتحليلها بشكل دقيق قبل اتخاذ خطوات عملية للتعامل مع القضايا الملحة.
وأوضح الشرع أنه “رغم الانتصار الذي حققته الثورة السورية، شدد الشرع على أهمية الابتعاد عن قيادة سوريا بعقلية الثورة”. وأضاف أن البلاد تحتاج إلى تأسيس دولة تقوم على القانون والمؤسسات لضمان استقرار مستدام.
كما أكد على ضرورة نقل العقلية من العمل الثوري إلى بناء الدولة، معتبرا أن مستقبل سوريا يعتمد على إرساء أسس الحوكمة والعدالة.
وفي جانب آخر أكد القائد العام أن الإدارة الجديدة “ستضع حدا لإنتاج الكبتاغون في سوريا”، وذلك بعد أن حول النظام السابق البلاد إلى مصنع للكبتاغون بحسب تقارير دولية، وهو ما تم الكشف عنه بعد سقوط الأسد.
التوسع الإيراني: خطر على سوريا والمنطقة
وأشار الشرع إلى أن التوسع الإيراني في المنطقة وتحويل سوريا إلى منصة لتنفيذ أجنداته شكل خطرًا كبيرًا على البلاد وعلى دول الجوار والخليج. وأكد: “تمكنا من إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، ولكننا لا نكن العداوة للشعب الإيراني، فمشكلتنا كانت مع السياسات التي أضرت ببلدنا”.
“النظام السابق مزرعة لا دولة”
وانتقد الشرع النظام السابق، قائلاً إنه لم يؤسس دولة حقيقية بل تعامل مع سوريا كمزرعة لتحقيق مصالحه الشخصية. وكشف أن حجم السرقات كان هائلًا، وأن الفترة المقبلة ستشهد نشر وثائق تثبت حجم هذه السرقات وانتهاكات النظام بحق مقدرات الشعب السوري.
وأكد الشرع أن المرحلة المقبلة هي مرحلة البناء والاستقرار، حيث تركز الجهود على إعادة الإعمار، وتحسين أوضاع السوريين المعيشية. وأضاف: “أولويتنا الآن هي تلبية احتياجات الشعب الأساسية والعمل على تحقيق مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة”.
www.almenberalhor.com